My first book cover :)
تمهيد
في عام 2003، قامت الولايات المتحدة الأمريكية باحتلال
العراق عسكريًا بمساعدة دول مثل بريطانيا وأستراليا وبعض الدول المتحالفة مع
أمريكا حسب تعريف مجلس الأمن لحالة العراق في قانونها المرقم 1483 في 2003. وقد
أطلق المناهضون لهذه الحرب عليها تسمية "حرب بوش" والتي تسببت بأكبر
خسائر بشرية في المدنيين في تاريخ العراق وتاريخ الجيش الأمريكى. وعلى الرغم من
حصول جورج بوش على موافقة الكونغرس بعد خلافات عديدة من أعضائه من الحزب
الديمقراطي، فإن البلاد شهدت موجة حادة من المظاهرات المناوئة للحرب. ففي 15
فبراير 2003 تظاهر نحو نصف مليون أمريكي في ولاية نيو يورك وحدها بالإضافة إلى
سياتل، شيكاجو، سان فرانسيسكو فضلاً عن العديد من المدن الأمريكية. أظهر استفتاء
الرأي الذي قامت به CBS/New York Times في يناير 2003 أن 63% من العامة يفضلون الحلول
الديبلوماسية للوضع في العراق، مقابل 31% ممن أقروا التدخل العسكري. ازدادت أعداد
المعارضين منذ عام 2002، أى قبل الغزو الفعلي للعراق واستمر حتى انسحاب القوات عام
2011.
وعلى صعيد آخر، في مايو 2005، تصدر الأنباء خبر
رفض فرنسا دستور الاتحاد الأوروبي من خلال استفتاء شعبي، حيث قام نحو 54.87% من الناخبين الفرنسيين برفض الدستور الأوروبي.
وتكرر الوضع في هولندا في يونيو من نفس العام حيث قام 61% من الناخبين الهولنديين
أيضًا برفض الدستور. وعلى الرغم من أن نتيجة الاستفتاء ليست ملزمة من الناحية
القانونية، إلا أن الحكومة الهولندية أعلنت عن عدم التصديق على الدستور. ومن ناحية
أخرى فقد تم التصديق على الدستور في العديد من الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي مثل
النمسا، وبلجيكا، وبلغاريا، واستونيا، وفنلندا، واليونان، وقبرص وغيرها. الطريف في
الأمر أن في هذه الحالات تم التصديق على الدستور- ليس من خلال استفتاء شعبي مثلما
حدث في فرنسا وهولندا، بل من خلال المجالس النيابية مثل البرلمان أو مجلس الشعب.
ولقد آثرت أن أبدأ بهذه الأمثلة التي في رأيي تطرح نماذج
معبرة تمامًا عن روح الكتاب. فقرار الحكومة الأمريكية لإعلان الحرب على نظام صدام
في العراق تعارض مع إرادة الشعب الذي خرج بالآلاف للتعبير عن رأيه. وعلى النقيض،
نجد أن قرار الحكومة الهولندية على عدم التصديق على دستور البرلمان الأوروبي، على
الرغم من كون الاستفتاء غير ملزم قانونًا، فهو أفضل مثال عن حكومة ديمقراطية ممثلة
لرغبة الشعب. والوجه الآخر لهذا المثال هو التباين الواضح بين اختيارات الجهات
التمثيلية والتشريعية من جهة ورأي الشعب من جهة أخرى.
هذا الكتاب يناقش أن هذه المجالس النيابية قد
تحولت تدريجيًا من جهة تشريعية - حيث تكون مختصة في الأصل بجميع ممارسات السلطة
التشريعية وفقًا لمبدأ الفصل بين السلطات- إلى أداة تستخدمها النخبة لخدمة مصالحها وابتعدت
عن دورها الأصلي لحماية مصالح الشعب والتعبير عن آراء المنتخبين. بعبارة أخرى،
يطرح الكتاب الفجوة بين قرارات المجالس النيابية من ناحية وتطلعات الرأي العام من
ناحية أخرى، علمًا بأن هذه الفجوة قد تضيق أو تتسع، لتبتعد عن هدفها الأساسي وهو
حماية المصالح المجتمعية من خلال الآليات الرقابية والتشريعية المنصوص عليها
دستوريًا. ومن ثم تحول أعضاء المجالس النيابية تدريجيًا من "خادم لمصلحة
الناخب" إلى لاعب أساسي في لعبة المصالح السياسية يصبح فيها النائب الرابح
الأكبر ويفقد المواطن أهميته. ويظهر هذا بوضوح في الأساليب والطرق التي قد تصل إلى
حد "الاستماتة" في الحصول على عضوية البرلمان بالإضافة إلى المبالغ
الفلكية التي يتم صرفها في الدعاية الانتخابية وغيرها من وسائل التأثير المباشرة
أو غير المباشرة على الناخب أو الناخبة.
ومن منطلق الفجوة التي تزداد كل يوم بين المجالس
النيابية من ناحية ومطالب أو اتجاهات الرأي العام من ناحية أخرى وما ينتج عنه من
تدهور حاد في الثقة في السياسات الرسمية للبلاد، يناقش الكتاب الإمكانية التي تطرحها
تكنولوجيا المعلومات للعودة إلى الديمقراطية المباشرة. فقديمًا، كان كل فرد في المجتمع
يعبر عن رغباته بشكل مباشر من خلال مجالس القرية أو الساحات العامة التي كانت
تعتبر الطريقة المثلى لطرح كل الآراء ومناقشتها مما يتيح الفرصة لتكوين رأي عام
مستنير. وغالبًا ما كانت تُتخذ قرارات تعمل لصالح الغالبية العظمى من المجتمع. ومع
تطور المجتمعات وما نتج عنه من تغيير في أنماط الحياة المجتمعية، نشأت معها الحاجة
للمجالس التمثيلية والنيابية. وهي في واقع الأمر صورة لا تختلف كثيرًا عن مجلس
القرية الذي يتولى فيه رؤوس العائلات اتخاذ القرارات. وفي هذه الحالة يختار
الناخبون أو عوام الشعب ممثلين عنهم، لهم صلاحية اتخاذ القرار ولكنها ليست بالضرورة
ممثلة لإرادة الشعب. بمعنى...أنني قد أختار من أعتقد أنه أنسب من يمثلني، وبالتالي
ليس من المفترض أن يتخذ قرارًا يتعارض وإرادتي. وفي واقع الأمر، عادة ما يتخذ المجلس قرارات
ليست بالضرورة لصالح المواطن بل يعمل في أحيان عدة لصالح أصحاب النفوذ وأصحاب
المصالح لإحكام سيطرتهم على الأمور. ويظهر هذا جليًا من خلال "جماعات الضغط أو
"اللوبي" التي تعمل على الضغط على الجهات التشريعية لاتخاذ قرار في صالح
فئة أو جماعة أو كارتل.
ولأن هذا النظام التمثيلي لا يعكس بالضرورة الجوهر
الحقيقي للديمقراطية، لذا يجب على أفراد الشعب بكل فئاته أن يجدوا بدائل أكثر
ديمقراطية وأكثر مباشرة، تكون القرارات فيه مبنية على تصويت جميع المواطنين – أو
على الأقل الغالبية العظمى منهم- ليس مجرد نخبة منتقاة. فالسيادة، كما يقول توماس
جفرسون "تستمد من الشعب".
والواقع أن هناك يأسًا عميقًا من لا مبالاة
النوّاب المنتخبين وعدم اهتمامهم بتحقيق متطلبات المواطنين. كما أن هناك يأسًا
عميقًا من التأثير السلبي للمصالح الخاصة و -كما يطلق عليها في وسائل الإعلام-
زواج المال والسلطة بما يتضمنه من تضارب مصالح ومزج الأوراق. وهذا أيضًا يعكس
الإيمان العميق بحكمة المواطنة الجماعية، وبمزايا مشاركة أكبر من جانب المواطنين،
وأخيرًا ولكن ليس آخرًا- بأهمية التكنولوجيا الحديثة والمعروفة بتكنولوجيا
المعلومات في توسيع مشاركة المواطنين.
وهنا مربط الفرس.. ففي حين يعتقد الكثيرون أن نظام
الحكم الديمقراطي ربما كان ممكنًا وفعّالاً في المدن الإغريقية الصغيرة في العام
500 قبل الميلاد، لكنه ليس كذلك في مدن اليوم الحديثة الكبيرة، يرى هذا الكتاب أن
نظام الحكم النيابي كان نموذجًا جيدًا في عصر ما قبل تكنولوجيا المعلومات. أما في عصرنا
الحديث، فتكنولوجيا المعلومات الحديثة، من خلال إتاحتها استفتاءات الرأي
الإلكترونية والتصويت والانتخاب المباشر عبر شبكة الإنترنت، ومجالات التشاور
والتناقش في الأمور السياسية وتداول المعلومات من خلال شبكات التواصل الاجتماعي–
ومن ثَم تشكيل رأي عام مستنير كما سنوضح من خلال الكتاب- وغير ذلك من أشكال
المشاركة السياسية، تدفع عناصر الديمقراطية المباشرة في المسار السياسي. وفي
المقابل، نجد الحكم النيابي أو التمثيلي الذي يتخلله حكم النخبة ومجموعات المصلحة
الخاصة وأموالها، مما يبتعد به عن التعبير الحقيقي عن رغبات المواطنين، بل يشكل
خطرًا على المصلحة العامة.
لقد أظهرت
تكنولوجيا المعلومات عامة وشبكة الإنترنت خاصة، قدرة فائقة على تعزيز وتقوية
مستخدميها من خلال توفير معلومات أدق، ليس فقط عن الأمور السياسية والمهنية
والتنظيمية بل امتدت لتشمل الأمور الاجتماعية، الفنية والطبية وغيرها. وبينما
يعتقد الكثيرون أن شبكة الإنترنت ستُحدث تغييرًا جذريًا في الخطاب السياسي، يرى
آخرون أن شبكة الإنترنت ما هي إلا أداة اتصال أخرى قد تؤثر على وظائف الحكومات،
لكنها لن تؤثر على المسار الديمقراطي بأي حال من الأحوال سواء بالسلب أو الإيجاب.
ولكن في واقع الأمر، أثبتت التجربة الفعلية الدور الفعال الذي تلعبه تكنولوجيا
المعلومات في تغيير مسار الحكومات ومصائر الأمم.
يرى هذا الكتاب أن شبكة الإنترنت، وهي البنك أو
المخزن المعلوماتي الأكبر في العالم، لها الإمكانية والقدرة على تقوية الأفراد
والجماعات التنظيمية وكذلك كل أشكال الكيانات الصغيرة. وبسبب اعتمادها على الاتصال
المباشر، فإن شبكة الإنترنت تعود بفكرة الديمقراطية إلى مفهومها الأول الذي يعني
"الحكم المباشر للشعب". وهذا بالطبع له تبعات مباشرة وغير مباشرة في دور
المؤسسات التنفيذية والمجالس التشريعية - مثل مجالس الشعب والبرلمانات - التي
تعتمد أساسًا على دورها التمثيلي أو النيابي .Representative Role
لغويًّا، الديمقراطية كلمةٌ مركبة مِن كلمتين:
الأولى مشتقة من الكلمة اليونانية Δήμος أو Demos وتعني عامة الناس، والثانية Κρατία أو kratia وتعني حكم. وبهذا تكون
الديمقراطية Demoacratia تَعني "حكم الشعب" أو "حكم الشعب
لِنفسهِ". لكن علينا أن نفرق بين الديمقراطية كنظام للدولة والديمقراطية
كمفهوم أو كطريقة حكم قد تكون أقرب للحلم، قد لا يعرف الكثيرون ما يحتوي عليه من
فجوات. فالديمقراطية بمعناها الصرف، تعني حكم الأغلبية، وهذا في حد ذاته يتضمن قمعًا
للأقليات والفئات غير الممثلة. لذا وجب تقديم وطرح عدة مفاهيم مثل المواطنة، الحكم
الرشيد وغيرهما من المفاهيم الدارجة – والتي غالبًا ما يساء استخدامها- لما تمثله
من أهمية قصوى في طرح السياق الديمقراطي. فالديمقراطية تحمل معاني مختلفة في
المجتمعات والثقافات المختلفة بل والتجارب الإنسانية المختلفة. لذا فالكتاب يرى
تناول مفهوم الديمقراطية على عدة محاور:
- مبدأ حكم الأغلبية وتمثيل الأقليات
- مبدأ الفصل بين السلطات وسيادة القانون
- مبدأ التمثيل والانتخاب وتداول السلطة سلميًا
يتخذ هذا
الكتاب من مفهوم "الساحة العامة" Public
Arena لجورجين هابرماس Jurgen Habermas أساسًا للتحليل الناقد لمختلف الآراء حول تأثير تكنولوجيا
المعلومات وشبكة الإنترنت على المسار الديمقراطي. يطرح هذا الكتاب رؤية دور شبكة
الإنترنت في تشكيل ساحة ديمقراطية جديدة قد ينجم عنها تحجيم – إن لم يكن انتهاء-
دور السلطات التشريعية مثل مجالس الشعب، الشورى بل وكل المجالس التمثيلية. إلا أن
هذا الدور لن يتحقق إلا إذا توافرت بعض الشروط الأساسية والتي سيتم طرحها
ومناقشتها لاحقًا من خلال الكتاب.
ومن خلال التركيز بشكل خاص على شبكة الإنترنت-
لكونها من أقوى أدوات تكنولوجيا المعلومات المعاصرة التي نجحت بالفعل في قلب
حياتنا رأسًا على عقب- سيناقش الكتاب من مفهوم الاقتصاد السياسى قدرة تكنولوجيا
المعلومات على مقاومة "التسليع" للأفكار والأفراد. وأخيرًا وليس آخرًا
سيبحث هذا الكتاب جانب "الثراء والفقر المعلوماتي" للإنترنت وما ينتج عن
ذلك من مشاركة غير متساوية في الساحة العامة الإلكترونية. وهنا سنناقش قضايا هامة
مثل تكلفة شبكة الإنترنت، ومدى إتاحتها أو توافرها. كما سيناقش هذا الكتاب محاولات
الحكومات للسيطرة على شبكة الإنترنت، الأمر الذي يمس صلب الاتصال الديمقراطي الذي
هو الأساس الذي بنيت عليه شبكة الإنترنت.
يستعرض الكتاب بعض خصائص مستخدمي شبكة الإنترنت،
الذين يطلق عليهم في بعض الأحيان "مواطنو شبكة الإنترنت" Netizens
لأن أكثر نقد يوجه للإنترنت أنها أداة للنخبة Elitist
Gadget وهو أمر صحيح إلى حد كبير.
فإذا كان انتشار تكنولوجيا الاتصال أكثر في الدول "الأغنى"، فهذا أيضًا
ينطبق على مستخدمى الإنترنت. فما زال مستخدمو النت هم الطبقة الأقدر ماليًا، الأكثر
تعليمًا، وأغلبيتهم من الذكور.
قد يكون العديدون متشككين من مدى "جدية"
الغالبية العظمى من مستخدمي الإنترنت. فعلينا أن نقر أن معظم تكنولوجيا المعلومات
يُساء استخدامها في أحيان كثيرة خاصة في البدايات! من منا لم يُرض فضوله بزيارة
بعض المواقع "غير التقليدية" مع بداية تعرفه على الإنترنت؟ فمع بدايات
الإنترنت في أوائل التسعينيات، كان العديد من معظم جيلي- وأنا أولهم- يقضي ما لا
يقل عن عشر ساعات يوميًا متصفحًا مواقع الألعاب، والأغاني، والأفلام أو المحادثات chatting
والمراسلات وغيرها من التصفح العشوائي لآلاف من مواقع الإنترنت. ولكني أعتقد أنه
سرعان ما يتخلى المرء عن هذا النمط العشوائي لاستخدام الإنترنت، خاصة بعد أن يرضي
فضوله ويصل إلى مرحلة من التشبع - مع معرفته أن كل هذه المعلومات في متناول يده
حينما يشاء- سرعان ما يصل إلى الدرجة المناسبة من "النُضج" التي تُتيح
له اختيار ما يناسبه من المعلومات مع ما يتناسب من احتياجاته ويبدأ في
"ترشيد" و"فلترة" استخدامه للتكنولوجيا. فوفقًا للمدير
الإقليمى لشركة "جوجل" العالمية، أكد أن نسبة المصريين الذين يبحثون عن
المواقع الإباحية قد انخفضت بنسبة كبيرة في الأعوام السابقة [1]. وفي دراسة أعدتها الباحثة دينا أبو زيد حول استخدامات
غرف المحادثات الإلكترونية (الشات) بين الشباب العربي، وجدت أن 96% يقومون بالدردشة لقتل الشعور بالوحدة فى حين ان منهم 29% فقط يمارسونها بهدف إجراء
دردشة جنسية.
أما على الصعيد السياسي والاجتماعي Socio-political
فتلعب تكنولوجيا المعلومات دورًا أساسيًا ومباشرًا في نشر حركات المقاومة الشعبية
للحكومات القمعية خاصة في العالم العربى، خاصة إثر تفجر ثورات الربيع العربى في
الأعوام الماضية. لقد حازت شبكة الإنترنت أهمية سياسية لا يستهان بها نظرًا لازدياد
عدد المواطنين الذين يجدون فيها وسيلة للتعرف على سياسات وقرارات حكوماتهم ومناقشة
القضايا السياسية التي تهمهم. ومعظم الدول الأكثر استخدامًا للإنترنت –مثل
الولايات المتحدة التي تعد أكبر دولة مستخدمة للإنترنت- تعد هذه الشبكة أيضًا
وسيلة اتصال بالمسئولين الرسميين المنتخبين، ووسيلة للحصول على معلومات تمكنهم من
مشاركة أكثر فعالية وأكثر نشاطًا في العملية السياسية. تسير الدول النامية على نفس
النهج – اضطراريًا- إلا أنها كما نقول بالعامية: " تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى"
لأسباب ستطرح على مدى الكتاب.
يطرح الكتاب أن شبكة الإنترنت تقدم وتكفل
لمستخدميها الساحة الديمقراطية المثالية التي يستطيعون من خلالها التعبير عن مختلف
آرائهم بحرية، والاتصال المباشر بصنّاع القرار والمسئولين، ونشر الوعي السياسي بين
المستخدمين. وعلى خلاف وسائل الإعلام التقليدية التي تعتمد على الاتصال ذي المصدر
الواحد والمستقبل الواحدunidirectional ، أو التي تعتبر مصادر أحادية الجانب لبث المعلومات،
فإن قوة شبكة الإنترنت تكمن في كونها توفر خيار الاتصال المتفاعل بين مستخدميها،
حيث تسري المعلومات في جميع الاتجاهات في تبادل مستمر بين العديد من الأطراف Interactivity. ويحدث هذا كله بتكلفة منخفضة نسبيًا، مما يتيح للمستخدمين إنتاج
وبث معلومات، وكذلك ، استقبال معلومات أخرى.
ولذلك، فإن شبكة الإنترنت تستطيع بالفعل تعزيز الخطاب والحوار الديمقراطي، الأمر
الذي يحاكي النموذج الإغريقي القديم حيث كانت الديمقراطية المباشرة بين عامة الشعب
هي السائدة. وهاهي تكنولوجيا المعلومات تتيح لنا الفرصة الذهبية للعودة إلى الديمقراطية
المباشرة ليأخذ الفرد بزمام الأمور والإسهام بشكل فعلي في صنع القرار. فعن طريق
العودة إلى الساحة العامة، تعود للفرد القدرة على استعراض كل الآراء – الصحيحة
والخاطئة منها - واختيار الملائم منها وهي العملية المسماة بالرأي العام المستنير Informed public opinion.
يستخدم هذا الكتاب منظورًا ديموقراطيًا ليبراليًا a liberal democracy perspective للوصول إلى أن الإمكانية الديمقراطية للإنترنت تحدث
فقط في بيئة خالية من أي معوقات أو خوف من عقاب مباشر أو غير مباشر من قِبَل
الشركات التجارية الكبرى أو الحكومات. وبمعنى آخر، لكي توجد ديمقراطية فعّالة تؤدي
المعنى الحقيقي لـ "حكم الشعب"، لا بد من وجود قيود دستورية تضع قيودًا
على الحكومات والمصالح التجارية، لكفالة حقوق المواطنين المدنية والسياسية. كما
يناقش أنماط المشاركة السياسية السائدة حاليًا من خلال شبكة الإنترنت. أما
المدونات blogs والفيس بوك facebook والتويتر twitter
فستتم مناقشة كلٍّ منها في فصل على حدة لما لها من أهمية قصوى في هذا السياق.
ها هي بعض الأسئلة المطروحة في الكتاب:
- ما الإمكانيات الديمقراطية المتوافرة للإنترنت؟
- هل يمكن للإنترنت أن تصبح "ساحة عامة"
حديثة تزدهر من خلالها الديمقراطية؟
-
ما المحاولات التي تتخذها الحكومات والشركات التجارية الكبرى للسيطرة على شبكة
الإنترنت؟
كما يطرح الكتاب إمكانية تفعيل دور "المواطن المعني
بالشأن العام" أو the concerned citizen ليلعب دورًا مباشرًا سواء في العملية التشريعية أو العملية
الرقابية على حد السواء حيث يقوم المواطن – أو المواطنة – "المعني بأمور وطنه"
بتفعيل دوره بشكل مباشر في العملية السياسية.